فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وتأتي هذه الآية الكريمة التي يُؤكّد فيها سبحانه أنه يُمكّن لهم الذنوب ليُمكِّن لهم العقوبة أيضًا؛ ويأتي قوله: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار} [إبراهيم: 42].
ونعلم أنه قد حدثتْ لهم بعضٌ من الظواهر التي تؤكد قُرْب انتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فَقُتل صناديدهم وبعض من سادتهم في بدر؛ وأُسِر كبراؤهم، وهكذا شاء سبحانه أنْ يأتيَ بالوعد أو الوعيد؛ جاء بالأمر الذي يدخل فيه كُلُّ السامعين، وهو عذابُ الآخرة؛ إنْ ظَلُّوا على الشرك ومقاومة الرسالة.
و: {تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار} [إبراهيم: 42].
يعني: تفتح بصورة لا يتقلَّب بها يَمْنة أو يَسْرة من هَوْل ما يرى؛ وقد يكون عدم تقلُّب البصر من فَرْط جمال ما يرى، والذي يُفرِّق بينهما سِيَال خاص بخَلْق الله فقط؛ وهو سبحانه الذي يخلقه.
فحين ترى إنسانًا مذعورًا من فَرْط الخوف؛ فسِحْنته تتشكَّل بشكل هذا الخوف، أما مَنْ نظر إلى شيء جميل وشَخصتْ عيناه له، يصبح لملامحه انسجامُ ارتواء النظر إلى الجمال؛ ولذلك يقول الشاعر:
جَمَالُ الذي أهْواهُ قَيْد نَاظِريّ ** فَلْيتَ لِشَيءٍ غيرِهِ يتحوَّلِ

ويمكننا أن نفرق بين الخائف وبين المستمتع بملامح الوجه المنبسطة أو المذعورة.
ونعلم أن البصر ابن للمرائي؛ فساعة تتعدّد المرائي؛ فالبصر يتنقّل بينها؛ ولذلك فالشخص المُبصر مُشتَّت المرائي دائمًا؛ ويتنقل ذِهْنه من هنا إلى هناك.
أما مَنْ أنعم الله عليهم بنعمة حَجْز أبصارهم- المكفوفين- فلا تشغله المرائي؛ ولذلك نجدهم أحرصَ الناس على العِلْم؛ فأذهانهم غير مشغولة بأيِّ شيء آخر، وبُؤْرة شعور كل منهم تستقبل عن طريق الأذن ما يثبت فيها.
ولذلك يقال عنهم صناديق العلم إنْ أرادوا أنْ يعلموا؛ فلا أحدَ من الذين يتعلمون منهم يكون فارغًا أبدًا؛ مثَلة مِثل الصندوق الذي لا يفرغ.
ولا أحد يتحكم في العاطفة الناشئة عن الغرائز إلا الله؛ فأنت لا تقول لنفسك أغضب أو أضحك؛ لأنه هو سبحانه الذي يملك ذلك، وهو القائل: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى} [النجم: 43].
والضحك والبكاء مسائل قَسْرية لا دخلَ لأحد بها.
ونجد الحق سبحانه يقول في موقع آخر من القرآن: {وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار...} [الأحزاب: 10].
فمرّة تشخص الأبصار، ويستولي الرعب على أصحابها فلا يتحولون عن المشهد المُرْعِب، ومرَّة تزوغ الأبصار لعله يبحث لنفسه عن مَنْفذ أو مَهْربٍ فلا يجد.
ويكمل الحق سبحانه صورة هؤلاء الذين تزوغ أبصارهم، فيقول: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ...}.
والمُهْطع هو مَنْ يظهر من فَرْط تسرُّعه وكأن رقبته قد طالتْ، لأن المُهْطع هو مَنْ فيه طُول، وكأن الجزاء بالعذاب يجذب المَجْزيّ ليقربه، فَيُدفَع في شدة وجفوة إلى العذاب، يقول الحق سبحانه: {يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور: 13].
وكأن هناك مَنْ يدفعهم دَفْعًا إلى مصيرهم المُؤْلم. وهم:
{مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ...} [إبراهيم: 43].
أي: رافعين رءوسهم من فَرْط الدهشة لِهوْل العذاب الذي ينتظرهم.
وفي موقع آخر يُصوِّرهم الحق سبحانه: {إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلًا فَهِىَ إِلَى الأذقان فَهُم مُّقْمَحُونَ} [يس: 8].
وهكذا تكون صورتهم مُفْزعة من فَرْط المهانة؛ فبصَرُ الواحد منهم شَاخِص إلى العذاب مُنجذب إليه بسرعة لا يتحكَّم فيها؛ ورأسه مرفوعة من فَرْط الهَوْل؛ ومُقْمَح بالأغلال.
ولا يستطيع الواحد منهم أن تجفل جفونه، وكأنها مفتوحةٌ رَغْمًا عنه؛ وفؤاده هواء بمعنى: أنْ لا شيءَ قادرٌ على أن يدخله.
ونحن نلحظُ ذلك حين نضع زجاجة فارغة في قلب الماء؛ فتخرج فقاقيع الهواء مقابلَ دخولِ الماء من فُوهتها.
ونعلم أن قَلْب المؤمن يكون ممتلئًا بالإيمان؛ أما الكافر المُلْحد فهو في مثل تلك اللحظة يستعرض تاريخه مع الله ومع الدين؛ فلا يجد فيها شيئًا يُطمئِن، وهكذا يكتشف أن فؤاده خَالٍ فارغ؛ لا يطمئن به إلى ما يُواجه به لحظة الحساب.
ونجد بعضًا مِمَّنْ شاهدوا لحظات احتضار غيرهم يقولون عن احتضار المؤمن كان مُشرِق الوجه متلألئ الملامح. أما ما يقولونه عن لحظة احتضار الكافر؛ فهم يحكُونَ عن بشاعة ملامحه في تلك اللحظة.
والسبب في هذا أن الأنسان في مثل هذه اللحظات يستعرض تاريخه مع الله، ويرى شريط عمله كله؛ فمَنْ قضي حياته وهو يُرضِى الله؛ لابد أن يشعر بالراحة، ومَنْ قضى حياته وهو كافر مُلْحد فلابد أن يشعرَ بالمصير المُرْعب الذي ينتظره.
ولذلك يقول الحق سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة: 22-25]. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ربنا إنك تعلم ما نخفي} من حب إسماعيل وأمه {وما نعلن} قال: وما نظهر من الجفاء لهما.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق} قال: هذا بعد ذاك بحين.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: بشر إبراهيم بعد سبع عشرة ومائة سنة.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} قال: فلن يزال من ذرية إبراهيم عليه السلام ناس على الفطرة يعبدون الله تعالى حتى تقوم الساعة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي رضي الله عنه قال: ما يسرني بنصيبي من دعوة نوح وإبراهيم للمؤمنين والمؤمنات حمر النعم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والخرائطي في مساوئ الأخلاق، عن ميمون بن مهران رضي الله عنه في قوله: {ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون} قال: هي تعزية للمظلوم ووعيد للظالم.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كان في بني إسرائيل رجل عقيم لا يولد له ولد، فكان يخرج... فإذا رأى غلامًا من غلمان بني إسرائيل عليه حلى، يخدعه حتى يدخله فيقتله ويلقيه في مطمورة له. فبينما هو كذلك، إذ لقي غلامين أخوين عليهما حلى لهما فأدخلهما فقتلهما وطرحهما في مطمورة له، وكانت له امرأة مسلمة تنهاه عن ذلك فتقول له: إني أحذرك النقمة من الله تعالى. وكان يقول: لو أن الله آخذني على شيء آخذني يوم فعلت كذا وكذا. فتقول إن صاعك لم يمتلئ بعد، ولو قد امتلأ صاعك أُخِذْت. فلما قتل الغلامين الأخوين، خرج أبوهما يطلبهما فلم يجد أحدًا يخبره عنهما، فأتى نبيًا من أنبياء بني إسرائيل فذكر ذلك له، فقال له النبي عليه السلام: هل كانت لهما لعبة يلعبان بها؟ قال: نعم... كان لهما جرْوٌ، فأتى بالجرو فوضع النبي عليه السلام خاتمه بين عينيه، ثم خلى سبيله وقال له: أول دار يدخلها من بني إسرائيل فيها تبيان، فأقبل الجرو يتخلل الدور به حتى دخل دارًا، فدخلوا خلفه فوجدوا الغلامين مقتولين مع غلام قد قتله وطرحهم في المطمورة، فانطلقوا به إلى النبي عليه السلام فأمر به أن يصلب. فلما وضع على خشبته أتته امرأته فقالت: يا فلان، قد كنت أحذرك هذا اليوم وأخبرك أن الله تعالى غير تاركك، وأنت تقول: لو أن الله آخذني على شيء آخذني يوم فعلت كذا وكذا، فأخبرتك أن صاعك بعد لم يمتلئ.
ألا وإن صاعك هذا... ألا وأن امتلأ.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} قال: شخصت فيه والله أبصارهم، فلا ترتد إليهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {مهطعين} قال: يعني بالاهطاع النظر من غير أن تطرف {مقنعي رؤوسهم} قال: الاقناع رفع رؤوسهم {لا يرتد إليهم طرفهم} قال: شاخصة أبصارهم {وأفئدتهم هواء} ليس فيها شيء من الخير فهي كالخربة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه {مهطعين} قال: مديمي النظر.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر، عن قتادة {مُهْطِعِين} قال: مسرعين.
وأخرج ابن الأنباري في الوقف، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {مُهْطِعِين} ما المهطع؟ قال: الناظر. قال فيه الشاعر:
إذا دعانا فأهطعنا لدعوته ** داع سميع فلفونا وساقونا

قال: فأخبرني عن قوله: {مقنعي رؤوسهم} ما المقنع؟ قال: الرافع رأسه. قال فيه كعب بن زهير:
هجان وحمر مقنعات رؤوسها ** وأصفر مشمول من الزهر فاقع

وأخرج ابن الأنباري عن تميم بن حذام رضي الله عنه في قوله: {مهطعين} قال: هو التجميح، والعرب تقول للرجل إذا قبض ما بين عينيه: لقد جمح.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {مقنعي رؤوسهم} قال: رافعي رؤوسهم، يجيئون وهم ينظرون {لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء} تمور في أجوافهم إلى حلوقهم، ليس لها مكان تستقر فيه.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وأفئدتهم هواء} قال: ليس فيها شيء، خرجت من صدورهم فشبت في حلوقهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مرة رضي الله عنه {وأفئدتهم هواء} قال: متخرقة لا تعي شيئًا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح رضي الله عنه قال: يحشر الناس هكذا، ووضع رأسه وأمسك بيمينه على شماله عند صدره. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)}.
قوله تعالى: {لِيَوْمٍ}: أي: لأَجْلِ يومٍ، فاللامُ للعلَّة وقيل: بمعنى إلى، أي: للغاية. وقرأ العامَّة {يُؤَخِّرُهم} بالياء لتقدُّم اسمِ الله الكريم. وقرأ الحسن والسلميُّ والأعرج وخلائق- وتُروى عن أبي عمرو- {نَؤَخِّرُهم} بنون العظمة. و{تَشْخَصُ} صفةٌ ل {يوم} ومعنى شُخُوصِ البصر حِدّةُ النظرِ وعَدَمُ استقرارِه في مكانِه، ويقال: شَخَص سَهْمُهُ وبَصَرُه وأشخصَهما صاحبُهما، وشَخَصَ بصرُه: لم يَطْرِفْ جَفْنُه، ويقال: شَخَص مِنْ بلدِه، أي: بَعُدَ، والشَّخْص: سوادُ الإِنسانِ المَرْئِيِّ من بعيد.
{مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)}.
قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ}: حالان من المضافِ المحذوفِ؛ إذ التقديرُ: أصحاب الأبصار، إذ يُقال: شَخَصَ زيدٌ بصرَه، أو تكون الأبصارُ دلَّتْ على أربابِها فجاءت الحالُ مِن المدلولِ عليه، قالهما أبو البقاء. وقيل: {مُهْطِعين} منصوبٌ بفعلٍ مقدَّرٍ، اي: يُبْصِرُهم مُهْطِعين. ويجوز في {مُقْنِعي} أن يكونَ حالًا من الضمير في {مُهْطِعين} فتكون حالًا متداخلةً. وإضافة {مُقْنعي} غيرُ حقيقيةٍ فلذلك وَقَعَتْ حالًا.
والإِهطاع: قيل: الإِسراعُ في المشي قال:
إذا دعانا فأَهْطَعْنا لدَعْوَته ** داعٍ سميعٌ فَلَفُّونا وساقُوْنا

وقال:
وبمُهْطِعٍ سُرُحٍ كأن عِنَانَه ** في رأس جَذْعٍ....................

وقال أبو عبيدة: قد يكون الإِسراعَ وإدامةَ النظر. وقال الراغب: هَطَع الرجلُ ببصره إذا صَوَّبه، وبعيرٌ مُهْطِعٌ إذا صَوَّب عُنُقَه. وقال الأخفش: هو الإِقبالُ على الإِصغاء وأنشد:
بِدِجْلَةَ دارُهُمْ ولقد أراهُمْ ** بِدِجْلِةَ مُهْطِعِيْن إلى السَّماعِ

والمعنى: مُقْبِلِيْن برؤوسهم إلى سَماع الدَّاعي. وقالَ ثعلب: أَهْطِع الرجلُ إذا نظر بِذُلٍّ وخُشُوعِ، لا يُقْلِعُ ببصره، وهذا موافِقٌ لقول أبي عبيدٍ فقد سُمِعَ فيه: أَهْطَعَ وهَطَعَ رباعيًا وثلاثيًا.
والإِقناع: رَفْعُ الرأسِ وإدامةُ النظر من غيرِ التفاتٍ إل غيرِه، قاله القتبيُّ وابنُ عرفة، ومنه قولُه يَصِفُ إبلًا ترعى أعالي الشجر فترفع رؤوسها:
يُباكِرْن العِضَاهَ بمُقْنَعاتٍ ** نواجِذُهُنَّ كالِحَدأ الوَقيع

ويقال: أَقْنَعَ رأسَه، أي: طَأْطَأها ونَكَّسها فهو من الأضداد، والقَناعَةُ: الاجتِزاءُ باليسير، ومعنى قَنِع بكذا: ارتفع رأسُه عن السؤال، وفَمٌ مُقَنَّع: مَعْطُوفُ الأسنان داخله ورجلٌ مُقَنَّعٌ بالتشديد. ويقال: قَنِعَ يَقْنَعُ قَناعةً وقَنَعًا إذا رَضِيَ، وقَنَعَ قُنُوعًا إذا سَأَل، فوقع الفرقُ بالمصدر.
وقال الراغب: قال بعضُهم: أصلُ هذه الكلمةِ مِن القِناع، وهو ما يُغَطَّي الرأسَ، والقانِعُ مَنْ لا يُلحُّ في السؤال فَيَرْضَى بما يأتيه كقوله:
لَمالُ المَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْني ** مَفاقِرَه أعفُّ مِنَ القُنُوعِ

ورجل مَقْنَعٌ يُقْنِعُ به. قال:
-........................ ** شُهودِيْ على لَيْلَى عُدُولٌ مَقانِعُ

والرُّؤوس: جمع رَأْس وهو مؤنثٌ، ويُجْمَع في القلة على أَرْؤُس، وفي الكثرةِ على رُؤوس، والأَرْأَسُ: العظيم الرأسِ، ويُعَبَّر بها عن الرجل العظيم كالوجهِ، والرئيس مشتق مِنْ ذلك، ورِئاسُ السيفِ مَقْبَضُهُ، وشاةٌ رَأْساء اسْوَدَّت رأسُها.
قوله: {لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ} في محلِّ نصب على الحال أيضًا من الضمير في {مُقْنِعِي}. ويجوز أن يكونَ بدلًا من {مُقْنِعي} كذا قال أبو البقاء، يعني أنه يَحُلُّ مَحَلَّه. ويجوز أن يكونَ استئنافًا.
والطَّرْفُ في الأصل مصدرٌ، وأُطْلِقَ على الفاعلِ لقولِهم: ما فيهم عَيْنٌ تَطْرِفُ، ولعلَّه هنا العينُ. قال:
وأَغُضُّ طَرْفي ما بَدَتْ لي جارَتي ** حتى يُواري جارَتي مَأْواها

والطَّرْفُ: الجَفْنُ أيضًا، يقال: ما طَبَّق طَرْفَه- أي: جَفْنَه- على الآخر، والطَّرْفُ أيضًا تحريكُ الجَفْن.
قوله: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} يجوز أن يكونَ استئنافًا، وأن يكون حالًا، والعاملُ فيه: إمَّا {يَرْتَدُّ}، وإمَّا ما قبله من العوامل. وأفرد {هواء} وإن كان خبرًا عن جمعٍ لأنه في معنى: فارغة متخرِّقة، ولو لم يقصِدْ ذلك لقال: أَهْوِيَة ليُطابِقَ الخبرُ مبتدأه.
والهواءُ: الخالي من الأجسام، ويُعَبَّر به عن الجبن، يقال: جَوْفُه هواءٌ، أي: فارغ، قال زهير:
كأن ارَّحْلَ منها فوق صَعْلٍ ** من الظَّلْمَانِ جُؤْجُؤُه هَواءُ

وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
-........................ ** وأنت مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هواءُ

النَّخِب: الذي أَخَذْتَ نُخْبَته، أي: خِيارَه. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في طرف:
الطَرْف: العَين، ولا يجمع لأَنَّه في الأَصل مصدر، فيكون واحدا ويكون جماعة.
قال الله تعالى: {لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ}.
وقال بان عبّاد: الطرْف: اسم جامع للبصر لا يثنىّ ولا يجمع، وقيل: أَطراف، ويردّ ذلك على قوله تعالى: {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ}، ولم يقل: الأَطراف.
وروى القُتَيبىّ في حديث أُمِّ سَلَمَة رضى الله عنها: «وغضّ الأَطراف»، ورُدّ عليه ذلك.
والصّواب: غضّ الإِطراق، أَى يغضُضن من أَبصارهنّ مطرقات راميات بأَبصارهنّ إِلى الأَرض.
وإِن صحّت الرّواية بالفاءِ فالمعنى تسكين الأَطراف- وهى الأَعضاءُ- عن الحركة والسير.
وقوله تعالى: {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ}، أَى لا يزال إِليك طرفهم وقوله تعالى: {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}.
قال الفرّاءُ معناه قبل أَن يأتيك الشىء زمن مدّ بصرك، وقيل: بمقدار ما تفتح عينك ثم تطرِف، وقيل: بمقدار ما يبلغ البالغ إِلى نهاية نظرك.
وطَرَف الشىء: جانبه، ويستعمل في الأَجسام والأَوقات وغيرها. وقيل: الطَرَف: الناحية من النَّواحى، والطائفة من الشىء. قال تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ}، أَى قطعة من جملة الكَفَرة، شبّه من قتل منهم بطرَف يُقطع من بدن الإِنسان. وتخصيص الطرَف من حيث إِنَّ ينقصِ طَرَف الشىء يتوصّل إِلى توهينه وإِزالته. وأَطراف الجسد: الرّأس واليدان والرِجْلان. وقوله تعالى: {طَرَفَيِ النَّهَارِ}، أَى الفجر والعصر. وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، أَى نواحيها ناحيةً ناحية؛ هذا على تفسير مَن جعل نقصها من أَطرافها فُتُوح الأَرَضِين، ومن جعل نقصها موت علمائها فهو من غير هذا. وأَطراف الأَرض: أَشرافها وعلماؤها، الواحد طَرَف، ويقال: طِرْف.
وقال ابن عرفة: {مِنْ أَطْرَافها}، أَى يُفتح ما حول مكة على النبي صلَّى الله عليه وسلم، والمعنى: أَوَ لم يروا أَنا فتحنا على المسلمين من الأَرض ما قد يتبيّن لهم وضوح ما وعدْنا النبي صلَّى الله عليه وسلم.
وفلان كريم الطَّرَفين، يراد بذلك نسب أَبيه ونسب أُمّه، وأَطرافه: أَبواه وإِخوته وأَعمامه، وكلّ قريب له مَحْرَم.
وقوله تعالى: {فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ}، أَى السّاعة الثانية من أَوّل النَّهار ومن آخِره.
وقوله: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ}، أَى الغداة والعَشِىّ. اهـ.